القضايا السياسية دائمًا ما يحدث الخلاف فيها، وقد تناول الدكتور (عبد الكريم بكار) بعضًا من القضايا التي يختلف الناس حولها، كقضية تطبيق الشريعة الإسلامية، وقضية الخلافة، والعلاقة بين الدين والسياسة، والفرق بين الشورى والديمقراطية، ووضع الحاكم المتغلب في الإسلام، وما مدى الحرية في الإسلام؟ وهل هي مطلقة أم لها حدود؟ والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وقضية ولاية المرأة لأمور المسلمين، وولاية غير المسلم.
لا يجوز لمسلم أن يعتقد أن ما وضعه الناس من قوانين وأعراف أصلح للعباد والبلاد من أحكام الشريعة، كما أنه ينبغي على المسلم أن يعتقد أن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، وهذا الذي أجمع عليه علماء الأمة. إن الله سبحانه وتعالى جعل نبيه (محمدًا) –صلى الله عليه وسلم –خاتم النبيين، وجعل شريعته خاتمة الشرائع؛ وذلك لما فيها من خصائص تجعلها تسع أحوال الخلق في كل الأزمنة والأمكنة، ولولا ذلك لاقتضى لطف الله بعباده استمرار إرسال الرسل وتنزيل الكتب.
إن الاعتقاد بوجوب إنفاذ حكم الله تعالى والاستسلام لأمره شيء لا يقبل المساومة ولا أنصاف الحلول، أما تطبيق ما يعتقده المسلم –سواء أكان حاكمًا أو محكومًا –من أحكام الشريعة وتجسيده في واقع الحال، فهذا له أحكامه الخاصة. إن الاعتقاد بعدم صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان هو خروج من دائرة الدين من غير خلاف بين علماء الإسلام الثقات المعتمدين. وقد ثار جدل عريض في هذا الأمر بين الإسلاميين بتياراتهم المختلفة، وبينهم وبين العلمانيين، فمنهم من يقول: إن الشريعة لم تطبق إلا في أيام الخلفاء الراشدين، وهذا يعني أنها لا تصلح لكل زمان ومكان بسبب محدودية النصوص وكون حوادث الزمان غير محدودة، ولهذا فإن المطالبة بتطبيق الشريعة هي نوع من العبث والانتكاس الحضاري. وهناك من يقول: "إن الحكومات العربية الإسلامية قد أدارت ظهرها للدين، وعطلت الشريعة." وقد أدى هذا إلى اتهامها بالكفر والزندقة. والمشكلة الأساسية تكمن في معنى كلمة (الشريعة) حيث إنه تم اختزالها لدى كثير من المسلمين إلى الجانب القانوني منها، بل إلى الحدود والعقوبات على وجه التحديد، وفي هذا تشويه كبير للمراد من المفهوم! ومعنى الشريعة في الأساس هي الدين كله، وهذا واضح في قوله تعالى: "ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ".
إن تعليق تطبيق الشريعة بحكومة إسلامية هو تعليق غير سديد؛ لأنه في الحقيقة يؤدي إلى اختزال الشريعة إلى عُشر ما هي عليه، كما أنه يشكل نوعًا من الفرار من المسئولية الأخلاقية والشرعية عن تطبيق الشريعة. وهذا لا يعني بالطبع الطاعة لحكومة علمانية أو معادية للدين، لكنه يعني أن وجود حكومة إسلامية هو شيء جيد، لكنه ليس تطبيقًا للشريعة في كل الأحوال؛ إذ أن التاريخ يعلمنا أن سوء تعامل الحكومة التي تدعي الالتزام بالدين، قد يؤدي إلى شيوع الإلحاد والتمرد على أحكام الدين وآدابه.
ظلت الخلافة الإسلامية على امتداد التاريخ الإسلامي محطَّ أنظار المسلمين؛ وذلك بسبب مكانة الخلفاء الراشدين في الإسلام. وعبر التاريخ كان هناك من يستغل ذلك الاسم الرمزي الجميل (الخلافة) لتسويق نفسه وأفكاره وجماعته، فلا تكاد تمر حقبة الزمن حتى يشهد المسلمون من يسمي نفسه خليفة، ويمارس سلطات الخليفة. وعلى امتداد الزمان والمكان، كانت معاناة الإنسان في الفصل بين الشكل والمضمون، فتارة يركز على المضمون، ويهمل الشكل، وتارة يُفْتَن بالشكل، ويُضَيَّع المضمون.
لو نظرنا إلى أسباب تعلق المسلمين بـِ (الخلافة) لوجدنا أنهم كانوا يحترمون المعاني والقيم التي تحلَّي بها الخلفاء الراشدين، ويحترمون المبادئ التنظيمية التي أرسوها وبنوا عليها، أكثر بكثير من طريقة إدارتهم لشئون الرعية. ولقد كانت الفرصة متاحة أيام الخلفاء الراشدين لتوسيع رقعة الدولة الإسلامية عبر حركة الفتوحات التي استمرت مدة طويلة، وكان ذلك موضع إعجاب المسلمين؛ لأن ذلك كان الطريق الأفضل لإيصال رسالة الإسلام إلى العالم؛ ولهذا فقد تشكلت إمبراطورية إسلامية امتدت في بعض المراحل من (الصين) حتى (جبال البرانس) شمال (الأندلس). ولقد رُوِيَ عن الإمام (مالك بن أنس) أنه قال: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها "، هذا القول حق وصواب، ولكن المراد به المبادئ والأسس مثل: الإخلاص، والصدق والورع، والعلم بالدين، والتضحية والتعاون على الخير. أما الأساليب والوسائل، فهذه ليس فيها حكم مسبق، وإنما تستمد أهميتها من قدرتها على تحقيق المقاصد التي يمكن أن تمهّد إليها.
تجربة الخلافة الراشدة كانت تجربة عظيمة ومباركة، لكنها لم تكن تجربة مغلقة أو نهائية؛ فطريقة الحكم التي مارسها الخلفاء الراشدون لم تكن شيئًا يصلح لكل زمان ومكان، وإنما كانت عبارة عن اجتهاد من رجال، هم من خيار قادة هذه الأمة وعلمائها. ومن الواضح أن كل واحد من الخلفاء الأربعة تم اختياره بطريقة معينة، لكن الجميع كانوا في نهاية المطاف يُخْتَارُون من قِبَلِ الأمة، وإن تنوع الإجراءات والأساليب التي اتبعوها يعطينا مؤشرًا واضحًا، هو: أن على الحاكم المسلم أن يبحث دائمًا عن أفضل الطرق التي تحقق مُرَاد الله وترعى مصالح الناس الذين اختاروا ذلك الحاكم.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان